وجهي .. في مرآة مهشمة ..!

صورتي
حيث تفنى كل نار
هيَ ذي الحياة ُرسائل ٌ.. فيها من الألم الجديد ْ.. العُمر خيل ُمراسل ٍ.. والحُزن ذاك هو البريد ْ..!

الأحد، 23 ديسمبر 2012

أفول في الذاكرة ..!

::
::
،

الحُزن يُـقلقُ والتجملُ يردعُ
والدمعُ بينهما عَصِـيٌّ طـيِّـعُ

يتنازعان دموعَ عين مُسهّدٍ
هذا يجيء بها، وهذا يرجعُ

[ المتنبي ]
.

هو الدهرُ، دولته سجال، تكر صروفه، وتتناوب ظروفه، يتقلب في عباءته الجديدان، ولا يسْمدِرُّ له حال ولا شان، فلا أُنسٌ يدومُ ولا شقاء، ولا بؤسٌ كذلك أو رخاءُ.

ما إن عقت الروح تميمتها، وشبت النفسُ عن طوقها، حتى باغتتها الأيام بأسنتها الذَرِبة، ونصالها الذَلِقة، كإزميلٍ يفري الأديم، ويذر العظام كالرميم، والأسى يعصب الأفواه، ويُذبل الشفاه، ممزقاً خيوط الفجر على قلبٍ يُوارى مثواه.

لم أكن إخال أن تعركني الليالي عرك الرحى بثفالها، وتصليني ناراً تلظى في مستهل الميلاد الأخير، رغم أني قد نضدت روحي على أعتى ألم، ورضَّمتُ أضلعي في أوار جمرٍ وحِمم، ولكن هي طبائع الأيام، ونحائز الأعوام، تغتالك حين غرة، وتباغتك فجاءةً مكفهرة، كأنها عِقبانٌ تقع على صرعى معارك العمر، فيخرمهم منسرها، وينشب في أشلائهم مقطمها، حتى لا يبقى في العين بصيص، ولا في الروح نسيس.

إن الدواهي في الآفات ترتهس، والمصائب لا تأتي فرادى.




الانكسار، هو جزاء عصيان الوصايا، تلك التي حاضرني بها شيخ الحزن في عِرنين الجبل على سفح ذاك البرج، ذات يومٍ شاتٍ، فبأي وجهٍ ألوذ إليه، حين انفض عني ضماد الجرح، وأنا مازلتُ أنزف! سأخبئ جراحي هذه المرة، وسأبدو حازماً متماسكاً، رغم أن العين تشي بما يكتمُ الصدرُ.

لا بأس ولا يأس، فأنا أظل الحُزن المتجسد في صورة بشر، ولن يغير هذا الجسم الضيق من أكون، ومهما ناءت السماء بكلكلها وشاحت عني بوجهها، فلن تتمكن من نسيان ضلعها المفقود، ذاك الذي هوى كشهابٍ ساعة عتمة، فاتخذ وجها واسما كالبشر، وضاع في زحامهم، ستظل تلك المضغة المجتثة من ثبجها تقضها بالوجع، حتى تنقضي فترة الحكم علي بالشتات والغربة في هذا العالم البائس، وأعود إلى حيث أنتمي .. يوماً ليس ببعيد على المترقب.

فيا شيخ الحزن، لا توصد علي مأواك حين ألقاك، والتمس لي عذر موسى النبي، يوم كُسرت جرة صبره على تعاليم الرجل الصالح، أنا فقظ لم أستطع أن أمعن في القسوة كما طلبت، ولا إخالك ذاهلاً عن إرث السماء الذي ما انفك يموج في أوردتي، إرثُ الشدة في غير عنف، واللين في غير ضغف، ولكنك كنتَ صادقاً في وصاياك، لقد عصيتُك حين ألقيتُ من يدي أسلحتي وخلعتُ عني ترسي ودروعي، وأذنتُ لسهام الذاكرة أن تتمرغ في صدري، فانهل علي الألم كغمام ساجم سد كل مسارب الأفق، ربما أردتُ اختبار روحي الأخيرة، وفحص صلابتها، ومحص متانتها، وهل مازالت تئن لسُؤر الماضي وبقايا رفاته، إلا أن الجائحة كانت عاتية، وكادت أن تجعلني أثراً بعد عين، لولا أن ثبت وجلدت ورسخت كراية موكوزة في جبلٍ أشم.

يا شيخ الحزن، اعتدت على الطعنات حتى ما بقي في هذا الجسد شبر إلا به ندبة خنجر ورأس حربة وصدرُ قناة، ولكن لا تخشَ علي، فأنا مازلتُ واقفاً على قدمي، ثابت الهامة، راسخ الهمة، قوي الشكيمة، ماضي العزيمة، مرفوع الجبين، مهما تخضبتُ بالأرجوان.

يا شيخ الحزن، أتصدق أنهم ما فتئوا يوهمونني بالحنين؟ أجل الحنين! بعد مضي دهرٍ من النسيان المكفن بالموت! ذاك الحنين الذي يغفو حولاً كريتاً، ويصحو كالسراب، في لحظة فارطة من حساب العمر، لم تكن في عمدة الروح، ولا في خارطة سير الأقدام، ذاك الحنين الذي لا يجاوز طرف اللسان، الحنين الذي أضحى مجرد مستحضر لترقيع الوجوه المشوهة في الذاكرة، الحنين الذي لم يترك غير نشيجٍ .. وأنين!

إن بيع الحنين في غير سوقه، يجعل منه بضاعة مزجاة! أليس هذا ما علمتني إياه يا شيخ الحزن؟ من كان يستطيع الصبر عنك لأيام، يستطيع الاستغناء عنك لأعوام. يتذكرونك، بعد أن قذفوا بك من أكفهم في مهاوي الردى وأتون الأسى، وشغلتهم الحياة بلذاتها ومتعها، بعد أن أينعت أمانيهم عن ثمر لا يشبه وجهك، ولا يحمل اسمك، جاؤوا يترنمون بالذكرى كقرابين تشفع لهم كل ما اقترفوه من جراح!

يا شيخ الحزن، لقد بترت أضلعي المكسورة من أرومتها، وجذذتُ ما يصلني بهم من آصرة، لذلك لستُ بحاجة للتضميد، لستُ بحاجة لإيهامي بالحب والشوق والحنين .. تلك الكلمات التي لم تعد تحمل حجماً أكبر من محض ألفاظها، لستُ بحاجة لإيهامي بأني كنتُ ذا ثمنٍ في عيني أحدهم، لستُ بحاجة لإيهامي بأني عالقٌ في البال غدوا ورواحاً وبالبكور والآصال، صدقوني، لم يعد يهمني كل ذلك، ولم أعد أحب سماع ذلك، لأنه بكل بساطة، لم تعد له قيمة في قسطاس الروح، تلك الروح التي تحطمت كزجاجٍ لا يُرأب صدعه!

سأنسحب بهدوء، دون نشيج، دون ضجيج، دون استئذان، سأتلاشى كنجمٍ تلتهمه العتمة، دون حس أو ركز، سأدعهم يموجون في العالم الذي اختاروه، والدرب الذي سلكوه، علهم يهنأون بالغضارة والرفأنينة التي احتسبوها بعيداً عن وجهي، وليغفروا لي موتي، وأنا أودع في أعينهم ابتسامتي الأخيرة، ابتسامة عاشقٍ جمع جراحه وقلبه المحطوم في صرة، ومضى بعيداً دون أن يودع أحداً أو يذري بأنامله دمع الرحيل، بعيدأً جداً، حيث لا عودة أو قفول.



فـمــا بــال قـلـبـي هــده الشــوق والهـوى
وهــذا قميصــي مــن جــوى الحزن باليـا

خـلـيـلـيَّ قــد حـانــت وفــاتــيَ فــاطــلــبـا
لــيَ الــنــعـــشَ والأكفـانَ واستغـفرا ليا

وخُــطَّـــا بأطـــراف الأســنـــة مضجـعي
وردا عــلــى عــيــنــيَّ فــضــل ردائــيــا

ولا تــحســدانـــي بــــارك الله فـيـكــمــا
من الأرض ذات العرض أن توسعا ليا

وإن مـــت مــــن داء الصـبــابـة أبلـغـا
شـبـيـهـة ضــوء الشمسِ مني سلاميا

[ المجنون ]

،

::
::

الأربعاء، 12 ديسمبر 2012

أنا .. في أسبوع [ 14 ]


::
::

الــيــــوم: عـــشــــرة آلامٍ واثـــــنـــــــان
الأسبوع: خـــمــــســــون جُـــــرحــــــــا
الـشــهـر: ديــــســـمـــبـــــر الأفـــــــــول
الــســنـة: الثانية عشرة بعد ألفي منفى
،

لقد تركت لي روحي الذابلة إرثاً ثقيلاً من الأسى والانكسار، ولكن هو الحُزن، المعلم الأول، يرتقي بك إلى سماءٍ تقي أذنيك ضجيج الكائنات وضوضائها، فهل ترى تخلقت في جوانحي روحٌ جديدة، أم أنه طائف حلم يتلاشى مع انبلاجة فجر؟ الوقتُ مبكرٌ على إطلاق الأحكام، ولكن الابتسامة في وجهي والبريق في عيني يكشفان بعضاً من السر المخبوء في جيب القدر، أنا لا أكترث، أنا حُر طليق! :)


لقد عشتُ تلك اللحظة، تلك اللحظة المستثناة من نطاق الحواس، قوة الروح، اتقاد جذوتها، سلطتها وسطوتها على ذرات الجسد، حين تشعر أنك غير قادر على تفسير البهجة التي تجتاحك كسيل جارف، يرأب كل صدع، ويوصد كل نزيف، ويغسل سائر الجراح، ويوقف تيار الزمن برهة، ويجعل الشمس في يمينك، والقمر في شمالك، ووجهك وضاحٌ وثغرك باسمُ.

أجوب الطرقات، وكأني أتفقد الأرض لأول مرة، ككائن للتو تطأ أقدامه الثرى، وأنا أشعر بالأغنيات تضج في حنايا أضلعي، حين تعانق عيناي أبراج السماء فأسشعرها تحدثني بلغة لستُ أعي كنهها إلا أنها تُترجم في ابتهاج عارم يعج في مسارب دمي، حيثما ألتفت وأولي بصري، أرى كل شيء مكسواً بالجمال، كل شيء يدفعني للتحليق بعيداً جداً عن دبيب الكائنات وزحامها الكئيب وعالمها السخيف الرتيب.. نعم، أنا أنتصر في مجد، أنتصر بانكساري، بأحزاني، بآلامي، بأحلامي المشظاة وأجنحتي المهيضة، أنتصر بكل هذا، على نفسي، على الوجود، أنا .. قاهر!



كم تهوى النفس هذا المكان، وهذا المنظر الموشى في عينيّ، كم ترى من السنين مرت، وأنا رابض في هذه الجنة حاملاً كتاباً وكوب شاي كبير، وأحلاماً تسور العنق كطوق ياسمين، كم هي المرات التي مارستُ بين تغاريد عصافيرها وأفنانها وأفيائها الحنين، والحب، وعذب الغرام، وتلوت على أصداء سمائها الأمنيات! هذه هي الأرض التي سقطتُ فيها من السماء ساعة عتمة، بضلع مكسور، وروحٍ مشظاة، هذه هي الأرض التي علمتني العشق، والوفاء، والجمال!



 لا أحتاج أكثر من عناق هذه الزهرات لأخلق في أكتادي أجنحة تحلق بي حيث لا ركز لبشر، هنا تتربع ابتسامة عريضة بين وجنتي، وكأني أنصت بإمعان لقصائد سحرٍ يصدح بها الكون في مسامعي، ثمة رباط متين يجمعني بهذا الجمال الذي يخطف الأبصار ويخلب الحجا، ثمة لغة من الحب تجعلني أهوى الابتعاد عن كل كائن يمشي على ساقين ويحمل في جمجمته مرجلاً مترعاً بمهازل الدنيا وسفاسف حوادثها، ويصم آذاني بثرثرة لا تزن حصيلتها جناح ذبابة وتفضي إلى صداع! فأشيح بكل حواسي بعيداً جداً، إلى حيث ألغي من الكون كل شيء عدا الذي طبعت في جبينه قبلة من فم الحسن. ثمة عالم هائل يتضخم في عمق هذه الأضلع، يبقيني قناصاً لطرائد السرور حيثما أكون، ولا أبالي بما دون ذلك.


 لطالما ظننت أني مصاب بإعاقة في الروح بعد انكساري الأخير، ولكن بعثت من قبري كائناً ذا روحٍ أفخم وأعظم، مدججة بأسلحة أقوى، وتروس أعتى، تؤزها طاقة جبارة، يضمها قلب مفصل على مقاس الحب الأسمى، قلبٌ متفجر بالعشق، متيمٌ بممارسة الشوق، ومتقنٌ في مزاولة الحنين، يفتش في الكون عن عيني حبيبٍ ترجح كفته أمام كفة سائر الكائنات في ميزان الوجود، فأستغني به عن العالمين. ثمة مزيج عجيب من منتهى العقل والرشد والنضج، ومنتهى الجنون والشقاوة والشغب، كائن مليء بالتناقضات والأضداد، وكأني خزانة ملأى بكل ألوان الحس والشعور، أنتقي منها ما أشاء، وأترك ما أشاء، بإشارة اصبع استحالت عصا ساحرٍ متمرس، عركته نوائب الدهر حتى استحكمت شكيمته، واشتدت عزيمته.

بكل اختصار، أنا الآن أقوى، أعظم، أجمل :)
،
::
::

الاثنين، 26 نوفمبر 2012

أنا .. في أسبوع [ 13 ]


::
::

الــيــــوم: خـمـسـة وعـشــرون ألـــمــــاً
الأسبوع: أربعــون جُرحـاً وثــمــانـيـــة
الـشــهـر: نـــــوفــــمــبــــر الــــذبـــــول
الــســنـة: الثانية عشرة بعد ألفي منفى
،

ليس صحيحاً اننا نموت مرة واحدة فقط، إننا نموت مراتٍ عديدة، وتجتث ارواحنا من بين أضلعنا مراراً، كلما ازدهر في رحاب الروح وجه للحياة! وفي المقابل، لسنا نحيا حياةً واحدة كذلك، بل حيوات كثيرة، كلما اتقدت في جوانحنا جذوة من بعد غيهب.

انقضى عامٌ ونيف، وأنا مكفنٌ في شرنقتي، بأحلامي المشظاة، وأمنياتي المكسرة، وأجنحتي المهيضة، أرقد في ذكريات حبيبٍ سرق القلب خلسة وأودع خنجراً مكانه، ثم رحل ولم يعقب! لكن في خضم تلك الدماء، تلك الجراح، ثمة روح جديدة تتخلق، ثمة مخاض يوشك أن يحل، ثمة قلب يرقب انبلاجة الفجر الأول في عيني، يتوخى انبعاث عمر يلغي من الذاكرة سجل أيام آفلة ويختمها بالشمع الأحمر.. أنا الذي عب من حياض المنايا حتى تضلع، وأنشب فيه الدهر مقطمه حتى تصدع، أوشك أن أتنفس، أن أحيا، أن أبعث من جديد!


مؤخراً، بت أدهش من نفسي، لقدرتي على اختلاق البهجة حين أشاء، وكأن أصابعي عصا ساحر تصنع المعجزات، قدرتي على اختلاق بهجة في ذاتي، دون عونٍ من أحد، أو حاجة ليد تعطف، أو قلبٍ يحن، أو عينٍ تودع البسمة في شفتي. ثمة طاقة متفجرة في حناياي تتبجس من أناملي، أشعر بها تفيض مني كينابيع تتصدع من جلمود صخر، فتغنيني عن العالمين.

تُرى هل يحق لي أن أحتفل بهذا النصر في باحات روحي؟ أم أن الأمر لا يعدو سحابة بارقٍ لن تمطر؟ لستُ على يقين بعد، ولكن حقاً اشعر بشيء من السطوة على نفسي، ثمة احساس بالغنى في أعماقي، يجرني لتلمس سعادة تتسرى في أوردتي.

يقول الحكيم (طاليس): [ ذاك الذي يحتاج للقليل، هو أكثرهم سعادة ]، لطالما حاولت أن اروض نفسي على الاعتداد بالذات، على صناعة الفرح في زوايا اضلعي، على فصل سعادتي عن الكون، متخلصاً من ربقته وقيوده وتبعيته، نعم، إنها الحرية، كلما تحررتُ اكثر، اقتربت من سعادة مطلقة! ويبدو أن جهودي تكللت ببعض نجاح.

في وقت ما، وصلتُ لحالة من التكامل، وكأني فصلتُ تماماً عن العالم الخارجي، لم تبرق الدنيا في نواظري، لم يهمني أن أكون في قصر أو تحت سدرة، لم يهمني أن أكون في جنة أو رمضاء، لم يهمني أن أكون وسط حشود من الخلق أو وحيداً مفرداً، هناك عالم في داخلي يجعلني أفقد اكتراثي بما يتعداه، هذه هي القوة الروحية التي أبحث عنها وأنشدها، تمكنتُ منها أخيراً، المسألة تبقى فقط في القدرة على المحافظة على زخمها وتدفقها، وهذا الجزء الاصعب، والمصاعب هي اختصاصي.

الآن، اشعر بأني كائن متجدد، كائن حر طليق مندفع للحياة بصخب، لا يتهيب جبالها ولا تفت في عضده نكباتها. عنقي أصبحت أعصى على الكسر، وذراعي أشد على اللي، واضلعي تدرعت بتروس أعتى وأقوى!

الآن، أنا على وشك شق جدران الشرنقة، ثمة عمر جديد يلوح في الأفق، وبهذه الروح الوقادة، سأجبره ان يكون أجمل .. أجمل جداً من كل ما مضى!

،
::
::

الثلاثاء، 30 أكتوبر 2012

أنا .. في أسبوع [ 12 ]


::
::

الــيــــوم: ثــــــــلاثــــــــون ألــــــمــــــــاً
الأسبوع: أربعــون جُرحـاً وأربعة معــاً
الـشــهـر: أكـــتــــــوبــــــــرالأســـــــــــى
الــســنـة: الثانية عشرة بعد ألفي منفى
،

العام الثاني من الانكسار، يحتفي بذكراه في مثل هذه الأيام، والأرض لاتزال مضمخة برائحة الدماء، رائحة الموت، وآثار الدمع المسفوك على الطرقات .. الفناء يعصف في كل وجه من وجوه العمر، ولم يبق في كؤوس الحياة إلا .. مرارتها.

تُرى كيف أصبحتُ أبدو الآن؟ هل مازلتُ أعاني من فقدان الحس بالزمن؟ وكأن ساعة الوجود قد أوقفت قرع أجراسها في صفائح روحي منذ عامين، وأنا مازلتُ أعكف على إصلاح أجنحتي المكسرة منذها، وأنسج الأمنيات بمغزل الصبر والتجلد والـ .. أنين!

مازالت تنتابني نزعات الحنين، إلى وجوهٍ ألفتها العينان، وسكنت إليها الروح، ورائحة عطرٍ لازمت الأضلع وفاءً، أكثر من أصحابها! ولكن السدود بيننا أصبحت أكبر بكثير، وتتعالى كلما هرم بنا الدهر، امحت كل الخرائط، وعفت ريح الانكسار على شوارع الذاكرة، تلك التي كانت زاخرة يوماً ما، بهم!

لقد بكت السماء أخيراً، على قدر أحزاني، وغسلت جبهتي المعفرة بالأسى، لتخبرني أنك لستَ وحدك، ولن تكون، مهما ظننت!

بعيدأً جداً عن الوجوه والعُمران والأزقة الموقدة بالأنوار، بعيداً حيث الأرض العذراء التي لم يطمثها بعد، هوس الإنسان بالعبث، حيث يصدح موج البحر، حيث لا ضوء في قبة الأفق سوى بدرٍ تم ضياؤه، كوجه حبيب يلغي من الكونِ باقي الخلائق، حيث الرمل يحتضن الماء كرة بعد مرة، كعشيقين لا يفتران من شغف العناق! هناك .. كنتُ أنا، حيناً من الدهر.




كان البحرُ هائجاً جداً، إذ يرتفع موجه قرابة المتر والنصف، هو ذات الحنين الذي يجيش به صدري، يترجمه البحر في طول امتداده! والنسيم العذري البارد، يتسلل وسط أضلع معراة، يفتش فيها عن بعض دفء.

كم مر من الوقتِ ترى، وأنا أحدق في وجه البدر، وأناجي البحر، وأغرس أقدامي جيئة وذهاباً على الشاطئ، في منتصف الليل، حيث لا أحد، إلاي!

افترشتُ الرمل، والتحفتُ السماء، متجرداً من كل هموم الحياة وأوزارها، وبقيتُ أرقبُ الفجر، فكانت طلعة الشمس، بشعاعها المتورد، كخدي فتاةٍ جميلة، رأيتُ في بسمتها الشمسَ ذات زمن .. بعيد.




رحلتُ، وقد وعدتُ البحر بأن أعود إليه، إلى هذا المكان، ولكني لن أكون، يومئذٍ، وحيداً..

لأني كائنٌ أمتلكُ خزائن الموت، أستطيع في أي حين، أن أخلق الحياة، وأوزع صكوك البهجة، ولا أبالي. صحيحٌ أني كائنٌ قد قتله الحُب ومزقه كل ممزق، ولكني أيضاً، كائنٌ لا يعيش إلا به، لا يعيش إلا في عيني حبيب .. حبيب يلغي من الكون كل الخلائق، ويحمل في راحتيه .. جنة!

أيها البحر، ابقَ كما انت، وأنا باقٍ .. على وعدي ..!
،
::
::

الاثنين، 8 أكتوبر 2012

رغــبــة ..!

::
::
، 
لي رغبةٌ
في الاعتزالْ
في الانسحاب من الضياءِ
إلى الظلالْ
في الاختباءِ
بجوفِ كهفٍ
واعتصامٍ
في جبالْ
.
لي رغبةٌ
في الصمتِ
في ترك ساحاتِ النزالْ
في الكفِّ عن
كل ألوانِ الحديثِ
وكل صنفٍ للجدالْ
إني تعبتُ
من الصراعِ
من الجراحِ
من القتالْ
.
لي رغبةٌ
في الاندثارِ
كمثلِ حباتِ الرمالْ
في التشتتِ
والتمزقِ
والزوالْ
في الاختفاء من الوجودِ
كأنني
في الدربِ آلْ
وكأنني
قد كنتُ وهماً
أو حكايا
من خيالْ
.
لي رغبةٌ
في الاعتراف بإنهزامٍ
واحتلالْ
بانكسارٍ
في ضلوعي
لايزالْ
باختناقٍ
يعقبُ الدمعَ المُسالْ
.
ينتهي
فصلُ الحياةِ
عندما يبكي الرجالْ
.
.
لي رغبةٌ
في الاعتزالْ
،

::

::

شواظ ..! [ 7 ]

::
::

كـُـل الدروبِ بعيدةٌ
في غير خارطةِ الهوى
فإذا هويتَ رأيتَها
كـُـل المسافة أصبحت
درباً قصيرا
، 
هي خيبةٌ
أن يستطيل الليلُ دهراً
والأماني إذ رجت
صبحاً يلوحُ ولا صباح
هي خيبةٌ
أن يستحيل الكونُ برداً
ثم لا تلقى غطاءً
غير حزنٍ
قد تمثــَّـلَ في وشاح
فالتحف حزناً
وكُل حُزناً
وارتوِ ، إن شئتَ
أو لا شئتَ حُزناً
ليس هذا العمُر إلا .. خيبةَ
كبرى
وذي الايامُ في القاموس معناها [ جراح ]
هي خيبة
أن ترتجي وجه الحبيبِ إذا ذوى
أن عله يأتي
ويجلبه الهوى
لكنه أبقى الأسى
والحُب مَزَّقهُ
وراح!
،

::

::

السبت، 29 سبتمبر 2012

أنا .. في أسبوع [ 11 ]


::
::
الــيــــوم: عـــشــــرون ألــمـــاً وتسـعــة
الأسبوع: تـسـعـة وثــلاثــون جُــرحـــــاً
الـشــهـر: سـبـتـمـبر الانـــكـــــــســـــــار
الــســنـة: الثانية عشرة بعد ألفي منفى
،
تُرى كيف أبدو الآن، وقد جاوزتُ ربع قرنٍ من العمر، هل مازلتُ أنا، ذاك الرجل الذي تجهم في وجه القدر، فخر من سماءٍ سابعة، ساعة عتمة، إلى أرضٍ كأباء كأداء، بأجنحة مكسرة، وضلعٍ مهيض؟ وطفق يبحث عن روحه في أرجائها، فلم يجد إلا الأسى .. والسراب!
.
.

.
.

هل مازلتُ ذاك الرجل الذي يحلم بغزو العالم، المحارب الذي يثور على كل شيء، حتى على نفسه، فيثخن في هامته الجراح. هل مازلتُ ذاك الرجل الحالم بأرضٍ غير الأرض، وسماء غير السماء، وجنة غير الجنة! هل مازلتُ ذاك الرجل الذي لا ييأس إلا من شيءٍ واحد .. اسمهُ الـحـب ..!

.
.


.
.

أما زلتُ ذاك الرجل، الذي يحوي بين جوانحه عالماً ضاجاً بالحياة، الرجل الذي لا يخشى من العتمة، من الوحدة، من مضاء الأيام، وقسوة الدهر، وسخرية القدر! أمازلتُ ذاك الرجل الذي يأوي إلى كهفه، بسراجٍ وكتابٍ .. وحفنة من التمر، وبضع أمنيات، يخبئها تحت الرمل، ويدسها في التراب، علها تزهر يوماً، أغنيات!
.
.

.
.
أمازلتُ ذاك الرجل الذي ينصت لحُزن البحر، يعانق فيه آلامه وشجونه، ويبعث فيه لوناً من حياة، ويرسم في وجنتيه، بعض ابتسام! ذاك الذي يجري في شطئانه جري الريح، بصدرٍ مُعرى، إلا من أنين!
أمازلتُ ذاك الرجل، الذي يطوف الطريق، يوزع ورداً على الغائبين، على الغابرين، على الراحلين، ويذرف فيهم، بعض الحنين، فتغدو السماء، كما لو تُمطر بالياسمين!
.
.

.
.
هل مازلتُ ذاك الرجل، الذي يشرب ذات القهوة، ويقصد ذات المقهى، يأسره وفاءٌ لذاك الكرسي، وتلك النوافذ، وتلك القداح، وبين يديه، كتابٌ يكون جليسه، يكون أنيسه، إذا الصحب يومأً، تولوا وغابوا، ووجدوا بعيداً عني .. حياة!
.
.


.
.

وهاهم رفاقي، ألمَع، لَوذَع، سَميدَع، إليهم أشكو جراحي، وهمي، إذا ما اشتجى، في القلبِ مني، وكان الأحبة في شُغلٍ لهم فاكهين.
.
.


.
.
نعم، مازلتُ أنا الذي
أحبني، بقدرما أكرهني


،
::
::

الأحد، 23 سبتمبر 2012

أنا .. في أسبوع [ 10 ]


::
::
الــيــــوم: عـــشــــرون ألــمـــاً وألــــمــ
الأسبوع: ثلاثون جُرحاً وأخرى ثمانية
الـشــهـر: سـبـتـمـبر الانـــكـــــــســـــــار
الــســنـة: الثانية عشرة بعد ألفي منفى
،
أصِرني تُراباً، يا أيها البحـرُ، وثُـمةَ ابعثـني، كما يُبعثُ الفجرُ .. خذ همي، وقد أمسى مكان دمي، وخذ جُرحي، ممزقة به كبدي، ودَع حُزني، على كفيكَ يندثرُ .. أنا، يا أيها البحرُ، من شدة الوجدِ، قد أصبحتُ أنشطرُ، قد شَـفَّني، طول الرحيلِ، وهذا البعدُ، والسفرُ، أظمتنيَ الدنيا، وصدري، لا يجري به مطرُ، عمري ظلامٌ، مثل هذا الليلِ لكن، ما له قمرُ ..!

ألا يا أيها البحرُ، أين النسيمُ الطلقُ، أين الضياءُ، والبدرُ؟ أين الملاذُ ترى، إذا ما أعبسَ الدهرُ؟ أين الحبيبُ؟ ذوى، مثلما يذبلُ الزهرُ! بالحُب كنا، نشفي جراحَ القلبِ كيف بهِ، ذا الحُبُّ إن، حلت به الغِيَرُ!

أين الهناءُ؟ أين البهاءُ؟ أين السعادة والبهجاء أينهمُ؟ فقدوا جميعاً، ما يدلُّ على أصدائهم أثرُ! أين التبسمُ أودى، ما له ذكرٌ؟ أبداً ولا خبرُ! والأمنياتُ رأيتها مكسورة، وقفت على جسر السماء فما، مكثت، حتى هوى بها الجسرُ! أحلامنا، مثل الزجاج يحْطمها، بيَدِ الردى، قدَرُ! بلى كل أمنيةٍ، ولو صغُرت، في دربها رابضٌ، حجرُ!

يا أيها البحرُ، أرايت هذا الكون أكمله؟ لو أنه قِدرُ، وصُبَّ حُزنيَ فيه، مثل الغيمِ يعتصرُ، لفاض من وجع الأسى، ذلك القِدرُ.

.
.
.

أيها البحر
قد كنتُ معك هناك
فكُن، حيث لا يكون سواك

،
::
::

السبت، 15 سبتمبر 2012

ما عاد لي في الحب طاقة ..!

::
::
، 
ما عاد لي
في الحُـب .. طاقة ..!
ما عدت أدري
كيف أعشق؟ كيف أهوى؟
أن أبعث الأشواقَ في باقات وردٍ
أو أدونها .. [ أحبك ] .. في بطاقة ..!
.
ما عاد لي
في الحب .. طاقة ..!
قل كيف يهوى
من يكون له الأسى
والجُرحُ
والأحزانُ كلُّهُمُ .. رفاقــَــه ..؟
قل كيف يهوى
من حطــَّـم التحنانُ أضلعهُ
وأعقبها .. إعاقة !
.
وتقول: إن الحبَّ شمعٌ
في الظلام ينيرُ روحي ؟
إني وجدتُ الشمع يبكي
أنْ ليسَ يجني إذ أضاءَ سوى احتراقَــَـه
وكذاك قلبي
مذ زرعتَ الحبَّ فيه
ليسَ يحصدُ في الختامِ عدا اختناقه ..!
.
ما الحُب إلا
مثل نارٍ
لا يكون ورودها .. إلا ..
حــمـــاقــــة ..!
،

::

::

الأحد، 9 سبتمبر 2012

إلى حُـلـمٍ مُــضاعٍ بات جُـرحـاً ..!

::
::
، 
لا أجدني قادراً على الكتابة الآن ، ولكني قادر على التذكر بوضوح ، كم كان الحُلم جميلاً، وكم كان تشظي الأمنيات كئيباً ..

سأعود .. إن بقيت في الصدر .. حشاشة!

9/9 .. ميلاد حُلمٍ لا ينسى .. وذكرى موتٍ لا تغفر للقدر ..!
،

::

::


الأربعاء، 22 أغسطس 2012

لا تغيبي عني لحظة !

::
::
، 
خــبــِّـريني
كـيـف أبـعـِــد
كـيـف أنـســى
؟
وانـتِ لـي
مَــوطِــن
ومَـرسـى
يـا غــلاتــي
يـــا بـعــد عــمــري
[ حـيـاتــي ]
هـذا حُـبــك
وسْـط قــلــبــي
يـجـمـع بــ قــلـبــك
شـتــاتــي
 .
لـو تـغـيـبـي عـنـي .. لـحـظـة
يـعـلن غـيـابــك
وفــاتــي
!
،

::

::

السبت، 4 أغسطس 2012

شواظ ..! [ 6 ]

::
::
،
صباحـُـكِ أعـطـر
صباحـُـكِ
فرحُ الصحاري
إذا ما هلّ المُزن .. وأمطر
صباحـُـكِ
دفء الشاي
طعمُ القهوة
حين يضاف إليها السكر
صباحـُـكِ بهجة
من كل حُزن العالم .. أكبر
صباحك
[ شوقٌ ]
يحِنّ إليكِ .. أكثر أكثر
صباحٌ
لو ما تكونُ عيونكِ فيهِ
أنا .. أتبعثر !


[ خاص لـ عينيكِ ]
،

ووقـفتُ
في أطـلالِها .. دَهِـشَاً !
يكـادُ [ الصمتُ ] .. ينـبِس من فَمِي
عينـــانِ
كالسـيفينِ ، واحـدةٌ
تُمزِّقُ [ أحرُفي ]
وبـعينها الأخـرى ..
جرى سَـفْـكَاً [ دَمِـي ] !

 

::

::