وجهي .. في مرآة مهشمة ..!

صورتي
حيث تفنى كل نار
هيَ ذي الحياة ُرسائل ٌ.. فيها من الألم الجديد ْ.. العُمر خيل ُمراسل ٍ.. والحُزن ذاك هو البريد ْ..!

الأحد، 28 أغسطس 2011

العقلانية ، فلسفة متجددة / جون كوتنجهام

::
::
فرغتُ اليومَ من قراءة كتاب [ العقلانية ، فلسفة متجددة ] للكاتب الإنجليزي [ جون كوتنجهام ]، الكتاب يقع في عدة فصول معروضة في قرابة 170 صفحة، تحدث فيها كوتنجهام عن بدايات العقلانية الغربية في الفلسفة اليونانية، ثم انبلاج صبحها في عصر النهضة الأوروبية وعلى يدي أبي الفلسفة الغربية الحديثة، الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت، مرورا بالفيلسوف الهولندي باروخ سبينوزا والألماني لايبنتز وإيمانويل كانت وجورج هيجل ثم انتقالا إلى العقلانية الحديثة وترابطها بمجال الدراسات اللسانية عند الفيلسوف الأمريكي نعوم تشومسكي.
وخليق بالقارئ أن يميز بين العقلانية كأسلوب فكري وبين المذهب العقلي، فالعقلانية هي استخدام العقل في كافة تصاريف الحياة كمبدأ وقاعدة انطلاق وتمييز، ولكن المذهب العقلي يختلف عن العقلانية من حيث إنه يقوم على أساس زعم وجود معرفة قبلية [ فطرية ] في العقل البشري سابقة على التجربة والحواس، ولذلك فإن المذهب التجريبي يضاد المذهب العقلي، إذ ينفي التجريبيون وجود معرفة قبلية أو فطرية في العقل البشري بل إن المعرفة تنتجها التجربة والحواس، فالتجريبيون عقلانيون من حيث أسلوب التفكير ولكنهم أعداء للمذهب العقلي، وقد شهدت أوروبا صراعا شديدا بين مذهبي العقل والتجربة، وخصوصا بين مفكري إنجلترا التجريبيين ومفكري فرنسا وألمانيا العقليين، وقد تمكن المذهب التجريبي من التفوق على المذهب العقلي في القرون الأخيرة لولا أن الفلاسفة العقليين دافعوا باستماتة عن معتقداتهم بوجود معرفة فطرية سابقة للحواس، ورغم سطوة المذهب التجريبي إلا أن العقليين عادوا في القرن الحديث يواجهون التجريبية ولاسيما اعتماد نظرية النحو التوليدي واللغة العالمية لنعوم تشومسكي في القرن العشرين التي تزعم بوجود مركب فطري لمبادئ اللغة في العقل البشري قبل أن يتعلم المرء اللغة.
إذن فالصراع بين العقليين والتجريبيين مستمر، رغم محاولة كثير من الفلاسفة العقليين الدفاع عن مبدأ الفطرية أمام سهام النقد العنيف التي وجهها لهم التجريبيون وخصوصا جون لوك وديفيد هيوم، وها هو [إيمانيول كانت] يحاول الدفاع عن أبراج المذهب العقلي المنهارة فاجتهد في التوفيق بين العقل والتجربة ليخلُصَ إلى أن المعرفة هي اتحاد بين العقل والحواس، فيقول: "لا يمكن لقدراتنا العقلية والحسية أن توفر الأحكام الصحيحة موضوعيا بشأن الأشياء إلا باتحاد بعضها من بعض".
الكتاب يحوي بعض المقاطع المشوقة، إلا أنه في مجمله لا يشجع على مواصلة قراءته وذلك طبيعي بحكم أنه من الصعب جدا اختزال الصراع العقلي - التجريبي في 170 صفحة، ولذلك قد يجد القارئ بعض الصعوبة في فهم ما يحويه النص وما ترمي إليه أقوال الفلاسفة من كلا الطرفين.
من الاقوال التي دونتها في مذكرتي لهذا الكتاب، قول أرسطو: "لا يوجد في العقل ما لم يكن في الحواس من قبل"، وهو قول يدعم التجريبية وضد العقلية لأول وهلة، ولكن كتاباته الأخرى تشير إلى اعتقاده بأن الحواس لا يمكن أن تؤدي وظيفتها ما لم يكن هناك استعداد ذهني مسبق.
وقول ديكارت عن صدمته بالأكاذيب التي كان يعتقد في طفولته بأنها حقائق، وأنه اضطر إلى هدم كل أفكاره وبنائها من جديد.
وقول باروخ سبينوزا أن الناس يعتقدون أنهم أحرار لأنهم يشعرون بأفعالهم لا بالأسباب التي تتحدد بها أفعالهم.
وتفريق لايبنتز بين حقائق العقل وحقائق الواقع؛ فحقائق العقل ضرورية ونقيضها محال، وحقائق الواقع محتملة ونقيضها ممكن.
وقد حاول لايبنتز الرد على نقد جون لوك للمبدأ الفطري في المذهب العقلي وقال بأن الحواس تعمل كمثيرات للمعرفة القبلية، وأضاف إلى مقولة أرسطو الشهيرة: "لا يوجد في العقل ما لم يكن موجودا في الحواس من قبل" عبارة: "إلا العقل نفسه".
ونجد قول جون لوك وهو من أرباب المذهب التجريبي أن "الإنسان يولد لوحا أملساً" أو صفحة بيضاء وأنه يستمد المعرفة من التجربة.
كما حط ديفيد هيوم من شأن العقل وقال بأنه "عبدٌ للعواطف"، وهذا يشير إلى تطرف هيوم في نقد المذهب العقلي كما هو معروف عنه بأنه شيخ الشكاكين، حيث رد على مبدأ [ الدوبيتو ] لدى ديكارت القائل: "أنا أشك إذن أنا موجود"، قائلا: "أنا أشك بأني أشك".
وينتقد أحد الفلاسفة المحدثين العلم الغربي وهو بول فيرديناند بقوله: "إن العلم الغربي ليس إلا آيديولوجيا مهيمنة، إنه تقليد من التقاليد الكثيرة، وليس له حق خاص في المطالبة بقبولنا له"، ويضيف: "على المرء أن يقرأ الآيديولوجيات كما يقرأ الحكايات العجيبة التي لديها أشياء مشوقة تقولها ولكنها تحتوي على الأكاذيب الفظيعة أيضا".
هذه إلماعة عن هذا الكتاب اختزلناها في هذه المقتطفات، ولأكون صريحا فأنا لا أثير حماسة القارئ لقراءة هذا الكتاب إلا إذا كان من أصحاب الاختصاص أو باحثا في مسائل المذهب العقلي وتطوره، فهو ليس ممتعاً ولا مفيداً بما يكفي لأجعله من كتب سطح الطاولة.
وأختم بمقولة الفيلسوف لودويج فنجشتاين إذ يقول: "ما لا يمكن التحدث عنه يجب إهماله في صمت".
::
::

الجمعة، 26 أغسطس 2011


أيــا رمضانُ قد أزِف الرحيلُ ... فــيا ليتَ الليالي تستطيلُ
ويا ليتَ التــلاقي دام حتى ... إلى الجناتِ كان لنـا سبيــلُ
فيا رمضان لا تُطِلِ التنائي ... وكفكف أدمعاَ حَزْنى تسيلُ
عسى لــقياك تدنو قــبــل يدنو ... فراقٌ للحياةِ فلا مُقيــلُ
ويا رباه اغفــر كل ذنبٍ ... فدون رضاك لا شيءٌ جميـلُ
[ رماد كان عطرا ]
وتـنـازعَ الحُــكمــاءُ فــي أسـرارها ... فــبأيِّ سِـرٍّ سُــمِّيت حــوَّاءُ
وتخاصموا فـالكــلُّ مُبــدٍ رأيهُ ... وبــدت مسائــلُ ما لهــنَّ لـقــاءُ
حتى أتـت غيـداءُ يقطـعُ حُسنها ... كُـلَّ الخلاف وأُرتِــجَ الحُكماءُ
وهناك صاحوا صيحة صداحة ... حَوَتِ القلوبَ لذا اسمُها حوَّاءُ
[ رماد كان عطرا ]

الاثنين، 22 أغسطس 2011

ديوان الصبابة / ابن أبي حجلة


أية أمة يزخر تاريخها بأخبار العشق والعاشقين، وجاشت أيامها بحكايا صرعى الحب وقتلى الهوى، فانتشر في ربوعها جنون الشوق والغرام، واستعرت في لياليها سَورة الوله والهيام، أية أمة ترى ذاقت كؤوس الصبابة أكثر من أمة العرب التي تزاحم فرسان الهوى في أرجائها، وتراكم شهداء العشق في بيدائها، فكانت حروب المستهامين على رأس كل سنان، وأشعار المغرمين تُغنى بكل لسان.

بعد أن قرأتُ ديوان الصبابة لابن أبي حجلة، ازددت يقينا بأن أمة العرب من أكثر الأمم عطفا في الجوانح، وأوسعها رقة في الفؤاد، وأفسحها لينا في القلب، فمن يجد لي أمة من الأمم دانت بدين الحب غير أمة العرب إذ قال قائلها:
الحب ديني فلا أبغي به بدلا ... والحسن منك مطاع جار أم عدلا

وقال غيره:
إنِّي أدينُ بدينِ الحبِّ ويحكمُ ... واللهُ قد قال: لا إكراهَ في الدَّينِ!

وقال آخر:
أدين بدين الحب أنى توجهَتْ ... ركائبُه أرسلتُ ديني وإيماني

فمن لي بأمة جعلت من الحب دينا؟ ونثرت في ربوعها العشقَ ورداً وياسمينا؟

ديوان الصبابة، لمؤلفه ابن أبي حجلة التلمساني الذي عاش في القرن الثامن الهجري / الرابع عشر الميلادي، وهو أديب ومؤرخ ومصنف ولد في تلمسان بالجزائر وتوفي في القاهرة. يقع ديوان الصبابة في فصول عديدة، تحدث فيها عن الحب وأسبابه وهل هو اضطراري ام اختياري، وذكر مراتب الحب وأنواعه، كما ذكر سمات الحسن والجمال، وأخبار العشاق والمحبين، وأيضا ذكر ما أصاب المستهامين من جنون ومرض بل وأودى بهم عشقهم إلى الهلاك والموت، كما ذكر عن الحب عن طريق الصوت والصورة وهل يكون الحب من أول نظرة، كما أورد حكايا الشوق والعتاب والغيرة والوشاة وغيرها من قصص العشاق ونوادرهم.

في حقيقة الأمر أني لم أعرف يوما أمة تنطوي لغتها على أكثر من 16 نوعا أو اسما أو مرتبة للحب، فهناك الهوى ثم العلاقة ثم الكَلَف ثم العشق ثم الشغف ثم اللوعة واللعج ثم الجوى ثم التبْل ثم الدلَهُ ثم الهيام ثم الصبابة ثم الشوق ثم الغرام ثم الوله وهو ذهاب العقل من شدة الحب!

ومما أعجبني ذكر بعض الشيوخ الذين إذا قيل لهم ان ابنكم قد عشق تجدهم يحمدون الله، فإذا سُئلوا عن ذلك قالوا: من عشق رق قلبه، ولطُفت معانيه، وملُحت إشارته، وحسُنت عباراته، فواظب على المليح وترك القبيح. كان هذا حال الحب عند العرب لدرجة قال فيها شاعرهم:
وما الناسُ إلا العاشقون وذو الهوى ... ولا خير فمن لا يحب ويعشقُ

وأجدني يصعب علي أن أنتقي مقتطفات من مليح الشعر الذي يفيض به ديوان الصبابة، فكل بيت له جماله الذي يجعله يشرئب برأسه ويبأى بنفسه، فلا أملك إلا أن أقول بأن هذا الديوان يجب ألا يفوت أي أديب ولا ينبو عن يدي أي عاشق بسهم الغرام أصيب، ففيه من الحُسن ما يجعل الشمس كسيفة أمامه، وحوى من اللذة ما هو أشهى من سلاف المُدامة.

ورغم كل الملاحة المتأقة في هذا الديوان، إلا أن لدي ملاحظة حول ورود بعض الألفاظ الجنسية وبعض الكلمات الواصفة بعض مناطق الجسد المستورة –والحقيقة أني وجدت هذا المنحى في عدة كتب أدبية ومنها البيان والتبيين للجاحظ أيضا- ورغم أن ورود هذه الكلمات قليل ولا يؤثر في روعة الكتاب إلا أني أحبذ أن يبتعد الكتاب عن ذكر مثل هذه العبارات، فهي ألفاظ يمكن أن تقال بين الخاصة أو أولي القربى من أخلاء وأحباء، لا أن يتلفظ بها أمام العامة وأن يُخط بها في الكتب مهما كانت معروفة ومفهومة، فهي ألفاظ لا أحبذ جريانها على الألسنة أمام من هب ودب وولج وخرج، بل لها أوقاتها وأشخاصها المخصوصون بها، فلا ننسى أن الخط يبقى زماناً بعد كاتبه وصاحب الخط تحت الأرض مدفونُ، ولا تكتب بخطك غير شيءٍ يسرك في القيامة أن تراه.

وختاماً، أنصح بقراءة هذا الكتاب لمن له اطلاع بالأدب واللغة والشعر، وله عقل ناضج وقلب رحب، ففيه من الأشعار والأوصاف ما يَحسُن حفظها وتعلمها لترقق القلب وترطب اللسان وتدفئ الوجدان وتؤنس الأحبة والخلان.

فإن الحبَّ أوله مزاحٌ ... وآخرُه معانقة المنايا
[ رماد كان عطراً ]

الخميس، 11 أغسطس 2011

البيان والتبيين ، جوهرة الجاحظ

من منا لا يعرف أحد أشهر أساطين الأدب والحكمة العربية، وحامل راية الثقافة العربية في العصر العباسي، الأديب والعلامة الأريب، أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، ولستُ أنوي الإغراق في ذكر سيرة هذا الرمز العربي اللامع إذ إنه كالجبل المنيف غني عن التعريف.
لا يخفى على أحد أن الجاحظ كما هو أديب بليغ ولغوي فصيح، فإنه يعد من أرباب أهل الكلام ومن أعلام المعتزلة في القرن الثالث الهجري / التاسع الميلادي، وله فرقة تسمى باسمه، الجاحظية، ولسنا في حاجة للتوغل في هذا المسرب، فقضيتنا هي كتاب البيان والتبيين.

من المعلوم أن للجاحظ عدة مؤلفات شهيرة، كالحيوان والبخلاء والبرصان والعرجان والأمل والمأمول والرسائل وتهذيب الملوك وغيرها، وقد كتب الجاحظ في نواحٍ أكبر من أن تحصر، فله كتب في علم الكلام والسياسة وعلم النبات وفي الأخلاق وفي النساء وفي الصناعة وغيرها.

وبالرغم من وفرة انتاج هذا العلَم الشامخ، إلا أن كتاب البيان والتبيين قد طغت شهرته وعظمت سمعته، وكما قال ابن خلدون أن كتب الأدب أربعة؛ البيان والتبيين للجاحظ والكامل للمبرد والأمالي للقالي وأدب الكاتب لابن قتيبة، وباقي الكتب تبع لهذه.

تحدث الجاحظ في البيان والتبيين عن البيان والبلاغة وامتداح فصاحة اللسان، وتحدث أيضا عن العي والحمق واللحن، وتحدث عن العقل وعلو مكانته، وعن الخطابة والرسائل والوصايا، كما تحدث عن أخبار الحمقى والنوكى ونوادرهم وقصصهم، وتحدث أيضا عن النساك وقصصهم، وكان الجاحظ يستشهد في أحاديثه بالحكم والأمثال والشعر.

ومن أول ما استوقفني حسنُه، ذِكرُه عرفا من أعرف العرب بقوله: "من تمام الضيافة الطلاقة عند أول وهلة"، فالتبسم عند العرب عرف محمود وخلق مقصود.

ومما أعجبني من أقوال الجاحظ فيه: "اعلم حفظك الله أن حكم المعاني خلاف حكم الألفاظ؛ لأن المعاني مبسوطة إلى غير غاية، وممتدة إلى غير نهاية، وأسماء المعاني مقصورة معدودة، ومحصلة محدودة". وهذا يحطب في حبل موضوعٍ كنتُ أتحدث عنه منذ فترة وهو عن علاقة اللغة بالفكر، فكلما قويت اللغة وتمكن المتحدث منها، كان أكثر قدرة على التعبير عن فكره بصورة أوضح وبصيغة أدق، وهذا ينسحب أيضا على سلامة التفكير، فوفرة الألفاظ والمسميات في العقل تزيد من قدرة العقل على ربط المعاني وتحديدها.

ومما قاله أيضا: "للكلام غاية، ولنشاط السامعين نهاية، وما فضَلَ عن قدر الاحتمال دعا إلى الاستثقال والمَلَال"، وهو كلام بليغ ينصح فيه بعدم الإسهاب والإطناب في إيصال القصد والمراد، والأجدر أن تكون الرسالة واضحة المعنى بينة القصد، لا أن تكون طويلة السرد عصية على الفهم، وفي هذا نصح للكتاب والخطباء.

وتتضح هنا نظرية الجاحظ وتأييده للتوليد اللغوي، حيث يقول: "تجوز الألفاظ الجديدة في الكلام حين تعجز الأسماء عن اتساع المعاني"، فهو يقر بأن الألفاظ محدودة والمعاني لا نهاية لها.

ونجد أيضا دفاع الجاحظ الواضح عن البلاغة والفصاحة والكلام، وأكد على أن العرب لا تذم الكلام وتحبذ الصمت إلا إذا كان الحديث منصبا في الهذر والفحش والحمق والبذاء وفي الثرثرة.

ومن أجمل ما قرأت للجاحظ في هذا الكتاب قوله: "إن السكوت عن قول الحق في معنى النطق بالباطل"، وهي عبارة في منتهى الحكمة.

ويستمر الجاحظ في دفاعه عن الكلام فيقول: "وليس الصمتُ كله أفضل من الكلام كله، ولا الكلام كله أفضل من السكوت كله، بل قد علمنا أن عامة الكلام أفضل من عامة السكوت"، ويتابع: "وكيف يكون الصمتُ أنفعَ، والإيثارُ له أفضل، ونفعه لا يكاد يجاوز رأس صاحبه، ونفع الكلام يخص ويعم، والرواة لم ترو سكوت الصامتين، كما روت كلام الناطقين، وبالكلام أرسل الله أنبياءه لا بالصمت، ومواضع الصمت المحمودة قليلة، ومواضع الكلام المحمودة كثيرة، وطول الصمت يفسد اللسان".

وأقول إني وجدتُ كتاب البيان والتبيين كتاباً عميم النفع عظيم الفائدة وافر المعرفة واسع العلم، ينهل دارسه من اللغة والفصاحة والحكمة والأمثال والشعر الجزل ما يكون مؤونة للعقل وتثقيفا للسان وتهذيبا للنفس، ولا بد لكل قارئ أن يتدراسه أو يطلع عليه، وإلا فقد أضاع كنزا من بين يديه.

الجمال في هذا الكتاب مُتأق، ولكن سأختم هنا ببيتٍ قرأته فيه وكان له لدي معنىً واسع:
وللدهر أيام فكن في لباسها ... كلِبسته يوما أجدَّ وأخلقا
وكن أكيس الكَيْسى إذا كنتَ فيهمُ ... وإن كنتَ في الحمقى فكن أنتَ أحمقا

السبت، 6 أغسطس 2011

الكتب تحكم العالم ..!

لم أختبر يوماً شعوراً أكثر متعة وأشهى لذة من التنزه في متون الكتب والتنقل بين أفياء أسطرها والغوص في لجج صفحاتها، فهي متعة واسعة المدى، ولذة بعيدة المنتهى، أعمق أثراً، وأطول زمنا، وأعظم نفعا.
وليس هناك صاحبٌ أكثر إيناساً من الكتاب، فهو السراج في العتمة، والرفيق في الرحلة، والخليل في الوحدة، والأنيس في الوحشة، والصديق في الضيق، والمواسي في المآسي، والعتد في الشدة، والمدد في العوز، والغنى في الفاقة، والسيف في المعارك، واللسان في المجالس، والحكم في القضايا.

وخيرُ جليسٍ في الزمان كتابُ ... تسلو به إن خانكَ الأصحابُ  [ أحمد شوقي ]

وقلما يمر عليَّ يوم لا أعانق فيه كتاباً، وإن حدث وفات عيني وهج الكتاب فسرعان ما أشعر بسَورة الكآبة وأصفاد السأم وأغلال الضجر تقيد عنقي وتجثم بثقلها على صدري، وأذكر مرة باعدتني فيها بعض تصاريف الدهر عن كتبي ودفاتري سنبة من الزمان، لأجد نفسي تلهج بذكرها وتحترق شوقاً إليها، وكأني فارقت حبيباً تمكن هواه من الفؤاد.

أنهيتُ قبل أيام قراءة كافة الكتب في القائمة التي اصطفيتها للقراءة منذ شهرين، وكانت عدتها 12 كتاباً كان آخر كتابين فرغت من قراءتهما هما البيان والتبيين للجاحظ، وديوان الصبابة لابن أبي حجلة، وراودتني فكرة أن أتحدث باقتضاب عن كل كتابٍ أقرأه من الآن فصاعدا، وقد أتحدث عن هذين الكتابين وقراءتي لهما لاحقا.

أما قائمة الكتب المنتقاة للقراءة لهذه الفترة فهي كالتالي:
- العقلانية / جون كوتنجهام
- المتلاعبون بالعقول / هيربرت شيلار
- روضة العقلاء / ابن حبان
- تعليل الأحكام / محمد شلبي
- موسوعة جسم الإنسان ، الجزء الثاني / الموسوعة البريطانية [ باللغة الإنجليزية ]
- خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب ، الجزء الخامس / عبد القادر البغدادي
- أدب الكاتب / ابن قتيبة
- فقه اللغة وأسرار العربية / الثعالبي
- ديوان عمر بن أبي ربيعة
- ديوان إليا أبو ماضي

وعدد كتب هذه القائمة يبلغ 10 كتب، رغم أني في العادة أختار 12 كتابا، ولكن بحكم بعض الانشغالات خفضت العدد إلى 10 كتب محاولا جهدي أن أنهي قراءتها جميعا في حدود شهرين، أي بمتوسط 5 كتب كل شهر، وهو متوسط جيد جداً.
من الملاحظ خلو قوائم كتبي من القصص والروايات، فرغم متعتها وجمالها، إلا أني لا أستهوي قراءتها.

الآن .. حيَّ على الكتاب :)

إذا هجر الأحبة أو تخلوا ... فإن صبابتي فيهم تدومُ
أصوم كما يصوم الناس إلا ... عن الأحباب أني لا أصومُ
[ رماد كان عطراً ]