وجهي .. في مرآة مهشمة ..!

صورتي
حيث تفنى كل نار
هيَ ذي الحياة ُرسائل ٌ.. فيها من الألم الجديد ْ.. العُمر خيل ُمراسل ٍ.. والحُزن ذاك هو البريد ْ..!

الاثنين، 23 مايو 2011

تعدد الزوجات والحقيقة الغائبة ..!

::
::

[ مقدمة ]
صدق الإمام المجدد الشيخ محمد عبده يوم قال: [ الإسلامُ محجوبٌ بالمسلمين ]، فالإسلام الذي ارتضاه الله جل وعلا ديناً هادياً للبشرية جمعاء، وكافح رسوله العظيم محمد بن عبدالله مكابداً الأمرين في سبيل نصرته وإعلاء كلمته، هذا الإسلام المنير قد خذله كثيرٌ من أتباعه خذلاناً يندي الجبين ويخنق العبرات ويزفر الحسرات، وأمسى كثير ممن نصبوا أنفسهم علماء وفقهاء في الدين معاول هدمٍ وخناجر تطعن ظهر الإسلام بقصدٍ أو دون قصد، حتى كاد يفقد الإسلام بريقه وتنطفئ جذوته لولا أن الله تعالى قد قطع وعداً بإظهار هذا الدين الجليل وإتمام نوره ولو كره الكافرون، وهيهات هيهات أن يُحجب ضوء الشمسِ بغربال.

[ موقف ]
كنتُ في زمرة من الصحب والرفقة نتحدث عن شتى القضايا، وأفضى بنا الحديث إلى ظواهر ظلم المرأة والقصص المخزية التي نسمعها وتتناقلها وسائل الأخبار الاجتماعية، ومن بين هذه المشكلات مشكلة [ تعدد الزوجات ]، فقلتُ لصاحبي: تعدد الزوجات إجحاف بحق المرأة، وليس من أصل الإسلام. فقال لي: القرآن يبيح التعدد. فقلت له: حاشا للقرآن أن يبيح التعدد وكيف لله الذي اتصف بالعدل أن يظلم المرأة وينحاز للرجل! قال لي: أولم تقرأ القرآن؟ قلت: قرأته مرارا فما وجدتُ فيه ما تزعم. قال: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع}. قلت: أنت جعلت القرآن عضين، فاقرأ ما كان قبلها ولا تكن من المجحفين. قال: {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى}، فقلت: أينك من الإقساط في اليتامى؟

سكت صاحبي، وقال بعدها: الرجل له رغبات وشهوات، والمرأة الواحدة قد لا تكفيه، وتعدد الزوجات يبعده عن الحرام. قلت له: إن صح زعمك، أفليست المرأة كائنا حياً؟ أم صخرة لا حس لها ولا مشاعر؟ أليس لديها رغبات وشهوات كما الرجل؟ وقد يكون زوجها ضعيفاً لا يكفيها أو غير قادرٍ على أن يلبي رغبتها، أو يقضي أسابيع وأشهر بعيدا عنها في عمل أو علاج أو خلافه، فهل تبيح لها أن تتزوج ثانياً؟ قال: لا زوج يرضى بذلك. قلت: أفتمنح حق الرضا للرجل، وتحرم المرأة منه؟ فقلما تجد امرأة ترضى بمشاركة امرأة أخرى في زوجها إلا كرها!
فقال: هذه حكمة ربك وأوامره، علينا الامتثال لها، وقد فضل الله الرجل على المرأة في مسائل شتى، وهذه منهن. قلت له: حاشا لله أن يفاضل بين خلقه تفضيلا جنسيا، بل يفاضل بينهم تفضيلاً عملياً، وهذا هو الحق! وأنت بهذا القول تمنح اليهود حقاً في أن يعتبروا أنفسهم شعب الله المختار، لأنك تؤمن بالتفاضل الجنسي، أما إذا كنتَ تقصد مسألة القوامة والإرث فتلك قضية وجب لك أن تسمع الحق فيها لتجلي عن عينيك الغشاوة، ولكن قبلها اسمع الحق في تعدد الزوجات.

[ المرأة : الأميرة المخلوعة عن العرش ]
مما يؤسف له، أن كثيراً من الفقهاء أقصوا المرأة عن موقعها الذي ارتضاه لها سبحانه وتعالى ورسوله الكريم، فخلعوا عن المرأة جُبة الإنسانية وألبسوها أسمال الفتنة والعورة والشيطان والشهوة، فالمرأة ليست إلا خطيئة وُجدت لكي تكون عاراً وإثماً حيثما تحل وترتحل.
والإسلام رغم أنه حرر المرأة تحريراً يليق بكرامتها وإنسانيتها وحقها الوجودي والتكويني، وأجلسها عرش الأميرة المعززة المكرمة، إلا أنه سرعان ما تم اضطهاد المرأة وتغييبها كلياً عن شريعة الإسلام، ولكي نعرف فداحة هذه الكارثة فإننا نورد هنا رواية تبين لنا أن بداية ظلم المرأة واضطهادها كانت مبكرة جداً، فجاء مثلا في الأثر: [ أن عبدالله بن عمر كان يحدث الناس فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تمنعوا النساء من المساجد "، فقال ابنه: والله لنمنعهن! فغضب ابن عمر وقال: أحدثك عن رسول الله وتقول لتمنعهن! فضربه وقيل شتمه ] ، وهذه الرواية شُهد لها بالصحة وجاءت في كثير من كتب الحديث ومنها صحيح مسلم.

فالحاصل أن كثيراً من الناس ومنذ زمن الصحابة قد شرعوا في التجرؤ على معارضة قول رسول الله، فما بالنا بالعصور التي تعقب عصر الصحابة؟ لا شك أن الأمر استفحل أكثر، وتسربت العادات الجاهلية مجددا، وأيضا العادات الدخيلة التي جاءت بها الشعوب الأعجمية التي بدأت تدخل الإسلام إبان الفتوحات، والمصيبة أن كثيرا من العادات اعتلت مقام العبادات، وحين ترتقي العادة إلى مصف العبادة تُصبح محاطة بهالة من التبجيل والتقديس، خصوصا إذا ما أضفي عليها اسم الإسلام، واختُرع لأجلها حديث مفترى وتفسير مأفوك، والإسلام منها بريء، وهذا يجعل اقتلاع هذه اللوثة أشد صعوبة!

ونسوق هنا مثالا آخراً، فقد انتشر بين الناس حديث منسوب إلى النبي يقول: [ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ وَالْكَلْبُ ]، وهذا الحديث قد ورد في صحيح مسلم عن أبي هريرة، ولكن حينما سمعت السيدة عائشة بهذا الحديث أنكرته أشد الإنكار وقالت: [ شَبَّهْتُمُونَا بِالْحُمُرِ وَالْكِلَابِ وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَإِنِّي عَلَى السَّرِيرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ مُضْطَجِعَةً ]، وهذه الرواية جاءت في صحيح البخاري! أفرأيتم ماذا يحاك على الإسلام من أكاذيب؟ وأرأيتم كيف استغلت بعض الأحاديث لترويج عادات جاهلية لا هي من دين الله ولا من قول رسول الله؟ وجعلت المرأة في هذا الحديث كالكلب والحمار؟ هل تصدقون أن رسول الله يقول ذلك؟ وأرأيتم كيف استنكرت السيدة عائشة هذا الحديث ورفضته؟! ولا ننسى أن هذه الأحاديث حتى في كتب الصحاح للبخاري ومسلم، فاعتبروا يا أولي الألباب!


 

[ المرأة كائن حي، وليست حجراً ]
مما يثير الضحك المبكي، هو اعتبار المرأة فتنة متجسدة، فأينما ذهبت وجاءت هي فتنة يصاحبها الشيطان، والمعصية معلقة في جيدها، وهذا التصور أبعد ما يكون عن الإسلام، والغريب أن تُجعل المرأة أتونا يقذف فيه كل مساوئ الحياة، فهي سبب الفسق والرذيلة، وهي سبب الفساد، وهي سبب الفواحش، وهي سبب المجون، وهي سبب الإثارة والإغراء، وهي سبب الإثم والخطيئة، بل ذهب بعضهم إلى أنها سبب الفقر والفاقة والشؤم، والمؤلم أن كل هذه الاتهامات النابية تُختم باسم الاسلام والشرع!

فعلى المرأة أن تصبح مسخاً لا كائناً حياً، فلا يحق لها أن تمارس حياتها كإنسان له حقوق وحريات وكيان ذاتي مقدس لا يمس! ومما يستدعي الغرابة، أنهم يزعمون أن الرجل أقوى شكيمة وعزيمة من المرأة، فهو الكائن العقلاني الحازم الصارم، وأما المرأة فهي الكائن العاطفي اللين الضعيف، ولكن يجب على المرأة ألا تخرج متطيبة متعطرة، لأنها ستثير شهوة الرجل [ برائحة عطر زكية ]، فالعجب كل العجب أن يفتتن الرجل الحازم الصلب بمجرد عطر!! بينما المرأة الرقيقة والعاطفية والمملوءة بالمشاعر لا يهيجها ولا يثيرها اشتمام عطر الرجل! فحرام عليها وحلال عليه! قمة التناقض، وهذا هو البهتان بعينه!

[ تعدد الزوجات ]
ذهب كثير من المفسرين والفقهاء إلى إباحة التعدد في الزيجات للرجل دون المرأة، مستندين بذلك إلى الآية الكريمة: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ}، وقد أصدر بعضٌ منهم التفسير لإربة وحاجة في نفوسهم، ولإيجاد رخصة لإشباع رغباتهم وغرائزهم مضفين عليها صبغة شرعية دون أدنى مراعاة للطرف الآخر المتمثل في المرأة المسكينة المظلومة، متجاهلين كل التجاهل شعور المرأة كإنسان له مشاعر وأحاسيس، وأنه قلما توجد امرأة معافية ترضى رضاءً حقيقياً بأن تشاركها امرأة أخرى في زوجها! ومعظم الزوجات اللاتي يرضين لزوجهن بأن يتزوج أخرى قد وقعن تحت سلاح التهديد بالطلاق أو الضرب أو الكره أو عدم النفقة وغير ذلك من الأسلحة الغاشمة، فكثير من الزوجات لا يأخذن حقهن من أزواجهن وهن مفردات، فما بالنا إذا تزوج الرجل بامرأة ثانية وثالثة ورابعة؟ لا ريب أن الظلم سيكون أشد وأعتى!

وهؤلاء المفسرون اقتطعوا الآية من سياقها، وأسقطوا ما جاء قبلها وبعدها، فهم كمثل الذي قطع جناحي الطائر فما عاد يطير، وهذا ما عبر عنه الفيلسوف الألماني (شوبنهاور) حيث قال: [ إننا لا نريد شيئا لأننا وجدنا أسبابا له، بل نجد الأسباب لأننا نريده ]، وأولئك الفقهاء أوجدوا هذا التفسير لأنهم يريدوه، وليس لأنه الصواب والحق!

ومما يضحك، أن يدعي بعضهم أن تعدد الزوجات يقضي على العنوسة في المجتمع، وهذا القول ليس إلا هراءً! فمن الملاحظ والشائع أن الرجال يتزوجون في أغلب الأحوال من الأبكار والفتيات الشابات الصغيرات، واللاتي حظهن أوفر في الزواج وفرص زواجهن مرتفعة، بينما يقل زواجهم من المطلقات أو الأرامل أو الكبيرات في السن، والعنوسة سببها لا يكمن في الشابات الصغيرات القابلات للزواج الطبيعي، ولكن سببها تضخم عدد المطلقات والأرامل والكبيرات في السن اللاتي يعزف كثير من الرجال عن تزوجهن! فالقول بأن تعدد الزوجات حل للعنوسة ليس إلا ضحكاً على الذقون وذراً للرماد في العيون، إذ أننا نجد أغلب الرجال الذين يتزوجون ثانية وثالثة، يختارون الأبكار الصغيرات ويعرضون عن العانسات حقاً !!

الأمر الآخر والمهم، هو الظلم الشديد الذي نسمعه من تعرض الزوجات لهضم حقوقهن وحقوق أولادهن بسبب وجود الضرائر، فكثيراً ما نسمع عن أب يفضل زوجة على أخرى، ويهمل بعض زوجاته وأولادهن وينشغل بواحدة، وكثيراً ما نسمع عن أب يُسكن إحدى زوجاته قصرا، بينما يسكن زوجته الثانية خرابة تعصف بها الريح!

وكثيراً ما نسمع عن أبٍ لا يعرف أسماء أولاده، وربما لا يرونه إلا نادراً، إما لأنه غير مكترث بهم أساسا أو لأنه مهتم بأولاد زوجة دون أولاد الزوجة الأخرى.
فهل هذا هو الإسلام؟ هل أباح الإسلام الظلم والاضطهاد؟ كلا، حاشا للإسلام أن يكون دين الظلم أو سبيلا إليه، ولذلك لابد أن للقصة معنى آخراً غير هذا.


 

[ الآية كما قالها الله تعالى ]
آية التعدد كما يحب البعض تسميتها، وردت في سورة سميت باسم النساء، وهذا لاريب إعظام لهن وتنبيه من الله تعالى على ضرورة الاهتمام بكل شؤون النساء وأن للنساء في هذا الشرع نصيب وحقوق وفروض لابد من مراعاتها.

نقرأ في الآية الأولى من سورة النساء، تأكيداً من الله تعالى على حرمة الأرحام وأن الناس محاسبون عنها ومساءلون، يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}، والاستفتاح في هذه الآية في غاية الأهمية، وهو أن الله تعالى خلق الذكر والأنثى من نفس واحدة، فليس الذكر خير من الأنثى وليست الأنثى خير من الذكر عند الله تعالى، وهذا يؤكد على مبدأ المساواة الفطري، والأمر الثاني، إقران الله تعالى التقوى بالأرحام، والأرحام هنا تعني أواصر القربى الخلقية، فالله يأمرنا بتقواه في النفوس البشرية لأن كل البشر من نفس واحدة، فما بالنا بالأقارب وأهل العائلة الواحدة!

ثم تأتي الآية الثانية تقول: {وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا}، فهذه الآية مرتبطة بالآية السابقة من حيث تأكيد روابط الرحم والأسر والعائلات والعلاقات الاجتماعية، ويخصص الله بالذكر هنا اليتامى كونهم فئة اجتماعية تستدعي أقصى الاهتمام لما يمكن أن يقع عليها من ظلم واضطهاد، حيث يوصينا الله بمراعاتهم والحفاظ على حقوقهم وأموالهم والحذر من المس بها أو أكلها بالباطل.

ثم تتابع الآية الثالثة: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا}.
الآن، هذه الآية التي تسمى بآية التعدد كما يحلو لأولئك الفقهاء، فالسورة ابتدأت بالأرحام، ثم خصصت منها اليتامى، ثم جاءت تعرض مشكلة وحلها، وهذه المشكلة هي: {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى}، فالآية ابتدأت بصيغة شرطية، وأداة الشرط فيها هي {إن}، فالمشكلة المطروحة هي الخوف من عدم الإنصاف والعدل في التعامل مع اليتامى، ولكن لنسأل: من المخاطب بهذه الآية؟ فمن الذين يمكن أن يخافوا من ألا يعدلوا في الأيتام؟ لا يوجد من يعنيه هذا الأمر إلا كافل اليتيم والقائم على شؤونه، لأنه هو الذي يتعامل مع اليتيم ويحفظ له أمواله ويرعاه، وبالتالي فهو الذي يمكن أن يقع منه ظلم على اليتيم، وهكذا فإن المخاطبين في هذه الآية هم الذين يكفلون الأيتام أوالمسؤولون عنهم.

ثم لنوضح هذه المشكلة الاجتماعية، وهي متعلقة بوجود الأيتام، واليتيم هو فاقد الأب [ ولا يسمى فاقد الأم يتيماً ]، وإذا تحرينا الدقة فإن فاقد كلا الأبوين يسمى لطيما، ولذلك فإن فاقد الأم لا تتعلق به هذه الآية لأن الأب هو المتكفل والمسؤول عن رعايته، وأما فاقد الأبوين فهذه الآية ليست متعلقة به أيضا، لأن ولي أمر اليتيم وكافله يأخذه معه إلى منزله ليربيه ويهتم به، بقي لدينا اليتيم فاقد الأب ولديه أم حية ترزق، وهذه الفئة [ وهي الفئة الأشهر والأكثر شيوعاً ] هي التي تتحدث عنها الآية، لماذا؟ لأن كافل اليتيم يصعب عليه أن ينزع اليتيم من أحضان أمه ويسكنه معه بعيداً عنها، وفي ذات الوقت، يصعب عليه أيضا أن يتركه يعيش مع أمه ويضطر للسفر إليه إذا كان منزله بعيداً، أو يضطر للدخول إلى بيت أمه في كل مرة ويخصص وقتاً لزيارته وتلبية حاجاته ومعرفة أحواله، فقد يلقى كافل اليتيم مشقة في هذا الأمر، فما الحل؟

الحل هو أن يتزوج كافل اليتيم من أم اليتيم، فيصبح دخوله وتردده على بيتها حلالا لا ريب فيه ولا يساوره شك من المجتمع، أو يقوم بجلب اليتيم وأمه إلى بيته بعد أن يتزوجها، وهكذا يصبح قادراً على أن يرعى اليتيم بشكل أفضل، فلا هو ظلمه بإبعاده عن أمه، ولا هو قصَّر في زيارته وتلبية حاجاته.

الأمر الآخر، في هذا الحكم حل للأرامل، فالأرامل اللاتي فقدن أزواجهن ولديهن أولاد قلما يجدن من يتزوج منهن، فهذا الحكم جاء ليكون حلاً لهن بالحصول على زوج يحفظ عرضهن ويصون كرامتهن ويبعهدن عن الوقوع في الفاحشة أو تعرضهن للاعتداء أو الظلم، فهذا الزواج يحفظهن ويرعاهن كزوجات وفي نفس الوقت يكفل أولادهن اليتامى.
وبالطبع، هذا الحل مشروط بالعدل، وذلك في قوله تعالى: { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً }، والعدل هنا مرتبط بجانبين، الأول هو العدل في الرعاية، فلا يهتم الزوج بزوجة واحدة ويهمل الثانية، أو يهتم بأولاد زوجة واحدة دون الأخرى، والجانب الثاني هو العدل في النفقة، فلا ينفق على واحدة ويقتر على الأخرى، أو ينفق على أولاد زوجة دون الأخرى، فإذا لم يكن قادراً على العدل في الرعاية والنفقة، فعليه حينها أن يمتنع عن الزواج ويحافظ على زوجته الأولى فقط.


[ توثيق ]
لنؤكد على هذا المعنى، نستشهد بقوله تعالى في سورة النساء ذاتها وفي الآية 127: { وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا }، فالآية -وبكل وضوح- أشارت إلى الحكم الذي استفتى فيه الصحابة الرسولَ وهو أيتام النساء، فعبارة [ يتامى النساء ] مكونة من مضاف [ يتامى ] ومضاف إليه [ النساء ]، أي أطفال النساء الذين تيتموا بسبب فقد آبائهم وترملت أمهاتهم، فالآية تتحدث عن هؤلاء الأيتام وأمهاتهم، وهم الذين نزل حكم تعدد الزوجات فيهم كما ألمعنا إلى ذلك آنفا، ولستُ أدري جلاءً في المعنى أكثر من هذا لكل ذي لب حصيف.

 

[ خرافة زيادة عدد الإناث على الذكور ]
وهذه فرية بلا مرية، وقد وجدت كثيراً من الفقهاء يرددونها دون أن يكون لهم من العلم والبرهان فتيل والحقيقة الساخرة تقول إن العلم الحديث بإحصائياته أثبت أن العدل الإلهي قائم وأنه لا فرق بين ذكر وأنثى إلا بالتقوى والعمل الصالح، وأن الرجل ليس أفضل من المرأة ولا المرأة أفضل من الرجل، فكانت الحقيقة القاصمة هي أن عدد الذكور والإناث على مستوى العالم متعادل، فهناك رجلٌ لكل امرأة وامرأة لكل رجل! هذا مع وجود زيادة طفيفة في نسبة الذكور على الإناث بنسبة تقل عن 1%.

ومؤسف أن أحد الفقهاء يتكلم وكأنه عليم من فوق سبع سماوات يوم قال: إن حكمة تعدد الزوجات بأربع نساء جاءت نتيجة لخلق الله عدد الإناث أضعاف عدد الذكور بنسبة 4 إناث لكل ذكر!! ولعمري ما هذا إلا افتراء وتقول على الله بغير علم! وقد أثبت العلم إفكه وبهتانه!

[ أوهام الزاعمين بأن عدد الإناث في أمريكا أقل من الذكور ]
وكالعادة يحاول كل فريق أن يضحك على ذقون الناس ليثبت حجته ويؤكد كلمته ويمارس الدجل على عقول العامة، حيث إن القول بأن عدد الإناث في أمريكا أكثر من الذكور على الإطلاق هو قولٌ متهافت، والحقيقة تقول كما يلي:

- نسبة مواليد الذكور في أمريكا أكثر من الإناث، فهناك 105 ذكور مقابل 100 أنثى.
- نسبة الذكور دون 15 سنة في أمريكا أكثر من الإناث، فهناك 104 ذكور مقابل 100 أنثى.
- نسبة الذكور من 15-65 سنة في أمريكا متعادلة مع الإناث، فهناك 100 ذكر مقابل 100 أنثى.
- نسبة الذكور من 65 سنة فما فوق في أمريكا أقل من الإناث، فهناك 75 ذكر مقابل 100 أنثى.
- نسبة متوسط الذكور إلى الإناث في أمريكا تصب في صالح الإناث، حيث إن هناك 97 ذكر مقابل 100 أنثى.

أرأيتم هذا البهتان الذي يمارسه بعضهم؟؟ إن الإناث في أمريكا يزدن عن الذكور فقط من عمر 65 وما فوق، وهذا العمر ليس صالحاً للزواج، وبالتالي فإن الـ 8 ملايين امرأة عانسة التي يدندن به بعض المتفيقهين هي نسبة كاذبة، لأن معظم هؤلاء النسوة من العجائز ولسن قابلات للزواج !!

وإلى الذين لا يعلمون، فإن عدد الذكور أكثر من عدد الإناث في كل دول الخليج! بنسبة تكاد تصل إلى وجود 2 ذكر لكل 1 أنثى !
[ الخلاصة ]
- يلفت الله تعالى انتباهنا إلى ضرورة الاهتمام بالعلاقات الاجتماعية والأرحام، وخصوصا منها فئة الأيتام والأرامل، فعلى أولي الأمر إيجاد حلول تكفل حقوق الأيتام بأفضل طريقة، وأيضا تحافظ على حقوق الأرامل وتمنحهن حقا في الحياة الكريمة.

- يمنحنا الله تعالى حلاً لمسألة انتشار فئة الأيتام فاقدي الأب في المجتمع، ويخبرنا أن الذي يكفل هذا الصنف من الأيتام يحق له أن يتزوج من أمهم حتى ولو كان متزوجاً، فبهذه الطريقة يضمن حق اليتيم إلى جانب أمه، وأيضا يمنح أم اليتيم حقها في زوج يرعاها ويحفظها.

- إن صنف الأيتام فاقدي الأب هو أكثر أصناف الأيتام شيوعاً، خصوصا في زمن الحروب التي قد تودي بعدد كبير من الرجال، فتبقى العديد من الأرامل غير متزوجات، وهذا قد حدث بعد غزوة أحد، فقد استشهد عدد كبير من الصحابة وخلفوا وراءهم أرامل وأيتاماً كثاراً، ولم يكن لهؤلاء الأيتام والأرامل من يعيلهم، فكان حكم هذه الآية حلا يحفظ حق الأيتام والأرامل معاً.

- يجوز للرجل أن يتزوج بامرأة ثانية وثالثة ورابعة فقط إذا كانت هذه النساء من الأرامل ذوات الأيتام، [ أو من يقاس عليها بحكم مشابه كالعانسات اللاتي تخطين سن الزواج المعتاد على سبيل المثال ] ويشترط في زواجه منهن العدل في الرعاية والعدل في النفقة، فإن لم يكن قادراً على العدل سواء في النفقة أو الرعاية فحينها يحرم عليه الزواج ويلتزم بالزوجة الواحدة [ والواحدة هي الأصل ].


- الزواج سكن وود ورحمة ومحبة، وعلى الزوج أن يخلص لزوجته كما يريد هو منها أن تخلص له، فلا يحق له أن يتزوج عليها إلا في حالة واحدة فقط، وهذه الحالة حالة اضطرارية قد توجد وقد لا توجد، وهي تفشي الأيتام والأرامل بسبب الحرب مثلا وموت كثير من الرجال، ففي هذه الحالة يكون الزواج بالأرامل وكفل أولادهن الأيتام واجباً اجتماعياً، وليس مجرد متعة ولهو كما يحلو للبعض!

- الإفراد في الزواج هو الأصل والقاعدة، وتعدد الزوجات ليس إلا استثناءً محصوراً بالأرامل والأيتام، وهو حل اجتماعي وليس مجرد تلبية لشهوة الرجل ورغباته الجنسية!

وهكذا تتبين حكمة الله تعالى في تشريع هذا الحل الاجتماعي الذي يهدف إلى حفظ حقوق الأيتام وإلى منح الأرامل فرصة الحصول على زوج يكفلهن ويرعاهن، فالقضية ليست قضية متعة عبثية، وإنما غاية اجتماعية تراعي المستضعفين من الأيتام والأرامل.

بقي علينا أن نشير إلى أن كثيراً من الفقهاء والمفسرين قد أخطأوا في فهم هذه الآية الكريمة، فهم اجتهدوا فما أصابوا، وطلبوا الحق فما ثقفوه ولا أدركوه، وبارك الله في العلماء العقلاء والفقهاء النجباء الذين توصلوا إلى هذا الفهم القويم الذي نراه فهما سليما ومسلكا راشداً مستقيماً.
 
أنار الله عقول المسلمين وأصلح قلوبهم

.

.
::
::

هناك تعليقان (2):

  1. منذ ان كنت صغيره لم استطيع قبول هذا الامر كان لدي سعور سيء جدا نحوه وانه لايفرق عن اشكال الظلم الاخرى .. فكيف بدين الله الذي هو العدل المطلق والسلام اللامنتهي ان يأتي بامر يجعل فيه ظلم وقهر لأحد الجنسين .. بحثت كثيرا حتى وجدت ان المعنى مرتبط بالارامل ذوات الايتام.. لكن لم اجد احد يؤيد كلامي .. لكن بعدما قرت هذه المقاله سُعدت جدا بأن ما اشعر به هناك ايضا من يؤيده .. اتمنى من الله ان يقيم عدله وان يجعل هناك اشخاص صالحين يبينو المعنى المحرف.

    ردحذف
  2. تناول الموضوع من جانب واحد ؟؟؟ال
    مفروض وضع كل الاراء المؤيدة والمعارضة وترك القارئ يحدد

    ردحذف