::
::
،
[ سقطت مني أسلحتي، ودروعٌ كانت تحميني! ]
يالله! ما الذي حدث البارحة! أيعقل أن دُكَّت كل حصون الصبر التي طوقتُ روحي بها طيلة أشهر .. فجأة!! ألهذه الدرجة أنا معرض للانكسار المباغت، وأنا الذي كنتُ أحسبُ أني بتُّ مدججاً بشتى أفانين اسلحة المقاومة والردع والمنع! وأني قادرٌ على صد اي هجوم من ذكراك، وكبح أي جماح شوق يغتالني منك! لا أصدق!
في لحظة ما، أحسستُ أنكَ أمامي، ووجهك ُقبالة عينَيّ، وعوضاَ من أن اشيح بوجهي أنفةً، وأمتشق سيفي لأمزق خارطتك قبل أن تصل إلي جيوشك .. شعرتُ بأضلعي تضمر، وجسدي يتقلص، واعترتني رجفة مزلزلة أوقعت مني تُرس الصبر وقلبت ظهر مجنأ الجَلَد! تلفتُّ يمنةً ويسرةً بحثاً عن تلك الأسلحة التي طالما شحذتها لأن تقيني من ذكراك! رأيتها تضوي داخرة، وتستحيل هباءً كلما حاولتُ الإمساك بأحدها، لتبقيني أعزلاً في ناصيتك، وعارياً في عاصفة حضورك! أدركتُ حينها أني سأهزم، وسيجرفني تيارك، وكأن قدميَّ قد صُبَّ عليهما الجليد، وعينيَّ داهقتان بالحيرة .. والذهول!
لقد وقعتُ مجدداً في شرَكِك، وصادتني حبالك، رغم كل هذه المسافة التي بيننا، وكل هذا العمر الذي يفصل روحينا، انتشلتُ هواتفي، أين أجدك وقد حذفتُ كل طرائقك منها! لم أكن أتحكم بأطرافي، كنتُ أشعرُ أنك تمتلكني، تصنع بي ما تشاء دون أدنى مقاومةً مني! شققت جمجمتي لأبحث عن وجهتك، وسارعت أصابعي المرتعشة بكتابة أول الأحرف .. يا إلهي، الإملاء خاطئ! الكلمات ليست صحيحة! وكأني طفل في مقعده الدراسي الأول مازال يتهجأ ألفاظه!
[ كيف لي أن أخون وجهك! ] تلك كانت العبارة التي أرسلت، آهٍ لو تعلم كم يشق علي هذا الأمر، رغم كل الآمال المشنوقة، رغم كل الأمنيات المغتصبة، رغم كل الجفا والبعد والمسافات الطويلة، مازلتُ أحبك، مازلتُ أتورع عن لمس غيرك حفاظاً عليك، وتقديساً لك، ووفاءً لأجلك!
رغم كل محاولاتي في كرهك كي أنساك، وجهدي في تمزيق صورتك في عيني كي أبعد عن قلبي هواك، مازلتُ أحبك، أعترف بمرارة وخجل، أني مهزومٌ فيك، رغم كل شدتي وبأسي، لا أستطيع مقاومتك، وليتها مجرد مقاومة، فأنا أجدني أقذف بنفسي في أتونك، يحملني اشتياقي إليك كعاصفة هوجاء لا تستقر إلا في كفيك!
مازلتُ غير قادرٍ إلا أن أحبك أنت، وافكر بك أنت، وأشتاق لك أنت، مازلتُ أعيشك في روحي، واقاسمك أمنياتي وأحلامي، مازلتُ أتنفس بك، وأستنشق عطرك، مازلتُ أتخيلك في الطرقات والشوارع، مازلتُ أحس بدفئك في أصابعي، وابتسامتك، وحركة عينيك حين يداهمهما الصمت! وأصبعك التي تنقر بها جبيني فتشعلني ولعاً بك!
كيف أتخلص منك؟ كم أحسدك على صبرك، وكم أحسدك على قدرتك في تحمل غيابي، وأنا عمري كله غائبٌ معك، ولم يمر علي يوم واحد يبتهج فيه فؤادي مذ غادرت أنت!
ظننتُ أن عزمي على فراقك سيجعلك تحتضنني، ظننت أن غيابي ليلة عن عينيك سيجعلك تفتش عني في آخر ساعات الفجر، وتبحث عن صوتي، وتقترب مني، ظننت أنك ستحاول إيجادي، لتشعرني أنك مازلتَ مقيداً برباط العشق المقدس بيننا .. ولكن، مرت ليلة، واثنتان .. واسبوع، واليوم هو الشهر الخامس، على آخر خبرٍ عنك! رغم أني قد مت قبل ذلك .. بعمرٍ أطول!
بعدما أرسلت، أحسست بفداحة الذنب الذي اقترفت! لماذا ارميني في طريقك، وأنتَ قد اخترتً حياةً لا تحمل وجهي؟ لقد أُعلمتُ أنك غيرت كل شيء، وأعلمتُ أنك غيرتَ حتى محل إقامتك، وارتحلتَ إلى مكانٍ آخر، وأنا قد جئتك مراراً في جنح من الليل زائراً، ولم أجد أثراً لقدميك حيث التقيتُك ذات يوم!
أعلمتُ أن أحوالك بخير، وأعلمتُ أن أوضاعك تبدلت تماماً وغدوتَ أكثر بهجةً وسعادة!
وأنا هنا، قابعٌ في حزني عليك، أبكي فقدانك، إذ مازلتُ معلقاً في ذاكرتك الآبية على النسيان، فكيف أخونك؟ كيف أمس غيرك؟ كيف تريد من أصابعي أن تستدفئ إلا بكفيك أنتَ وحدك؟ كيف أرتضي أحداً سواكَ حياةً؟ قل لي بربك! قل لي! أين أذهب بهذا الوفاء الخانق، اين أوفد هذا القلب الذي يرفض كل أحدٍ سواك!
ماذا فعلتَ بي؟! واية لعنة عشقٍ أنشبتها أظفارك في أضلعي!
لماذا يبيع الناس وفاءهم بأبخس الأثمان، وأنا هنا، مدين بالوفاء لك، لا أقوى على سداد فواتير خيانتك!
أحبك، أرسلتها لك ساعة ضعف، ساعة شوق، ساعة رجفة حنين إليك!
ولكن، لحسن حظك، ولكي لا أقطع عليكَ حبل سعادتك وأصل ما كنتَ أنتَ قد قطعته بخنجر هجرك، كانت وجهة الرسالة خاطئة، فأصابعي غلبتها الرعشة، وضلت بابك، ليستلم الرسالة غريبٌ لا يدري عن حرق الدمع في خدي، ولا يدري عن برد غيابك! ولم يقل أكثر: من معي؟
وكان جوابي إياه .. صمت مؤبد!
كتبتُ هذا، وأنا مثخنٌ بجراح غرامك اليوم أكثر مما مضى .. فاعذر لغتي، ورجفة أصابعي!
،
::
::