::
::
،
سِرَّاً، أتجلببُ العتمة، كمِثلِ خاتِلٍ يسعى لِصَيد، ادّرِعُ هذا الليلَ، وهو يجودُ بأنفاسهِ الأخيرةِ، قبل أن يهجُمَ ضوءُ الفجرِ هُجومَ الحَرَس، وقد خلت شوارع المدينة، واستوحشت طرقاتها، إلا من أسرجةٍ تئن عند كل ريحٍ رَادَة، ووقعِ أقدامي وهي تَطرُقُ الأرض، كمُغتربٍ يُنقّبُ عن وطَنٍ مفقود، وحُلم ضائع.
حين يُرخي الظلامُ سُدولَه، ويُطبِقُ جَفنُ الحياة، انسلُّ من كهفي القصيّ كما ينسَلُّ السيفُ من الغِمد، أجوبُ الشوارع، أملأ رئتيّ بهذا الفراغِ المُمتدِّ في الأفُق، أُيَمّمُ جِهةَ البَحْر، كَطيرٍ يَحِنّ إلى وَكْنِه، ناشراً أجنحةً من حنين، يتهادى البحرُ كصَدرِ حَبيب، مُلقياً مَوجَهُ كذراعين معقوفتين للعناق.
أعُري أضلعي للريح، وأقذفُ روحي في هذا الفضاءِ الآبد، أغنّي قافلة أشعاري الطويلة، على لحن الموجِ وهو يلثم الرمل مراراً، كعاشقين للتو أعلنا الحُب، يتنادمان شفاهاً أظماها لهيبُ شوقٍ حارق، لوقتٍ طويلٍ طويل، أضمّخُ أرجُلي بماءِ اليّم، تتناثر قطراته على وجهي كمَطرِ غيمةٍ خجلى، وأنا أمضي، غيرَ آبهٍ بالوجود.
الآن، تأتين في شَكلِ نجمةٍ متوهجةٍ تعبرُ الأفُق، أسّاقطُ على الشطْء، كزورقٍ جابَ بحار الدنيا، ليرسو في عينيك، أعلّق السماءَ في أحداقي، وأقول: بعددِ النجومِ .. أحُبك :)
أرسِلُ قبلةً في الريح، لتحملها إليكِ مني، وتحمل إليّ منكِ، أريجَ أنفاسك.
إن وقعت أقدامُك يوماً على أقدامي، في هذه القطعةِ من الأرض، تذكري رجلاً كان هنا يوماً، يذوبُ من لهبِ الشّوق، وفي صَدرهِ من الحنينِ جِراح، رجلٌ لا يرى الحياةَ أكثر من لعبة في يديه، ولا يرى الجنة .. إلا في وجهك.
يوشك الفجرُ أن يطوي عباءته الآن، وأوشك أنا، أن أوقظ جفنيك اللذين أودعتُهما عُمري، لأستعير من صوتِك .. بعضَ حياة :)
لأجلك .. بحرٌ من حنين.