::
::
،
صحيحٌ أني خرجتُ من باب الحُب مهزوماً بالانكسار، ولكني خرجتُ منتصراً بالوفاء، كل الوعود والعهود خارج عتبة باب الحب، اصبحت منتهية الصلاحية الآن، فوثيقة الغرام التي وقع عليها عاشقان مجنونان، آلت ملغية، بختم عناق معطوب، وتاريخ لقاء مشطوب، وذانك العاشقان لم يعودا على قيد الـ .. عشق، والجنون الذي داهمه التعقل فجأة، لم يعد عذراً شرعياً .. للشوق!
بعد عام من الانكسار، عام من التشظي، عام من العمر المعتقل في زنزانة عتمة، بدت إرهاصات التعافي، وتباشير التشافي، إذ باخت سورة الحمى التي كانت تستعر في وجهي حولاً أو يزيد، والسعال الذي كاد يلفظ كبدي سنبة من الزمن سكنت ثورته، وشعر رأسي الذي تساقط كحبات خرز تهاترت إثر سلك مجذوذ، شرع يتماسك ويستقيم صلبه من جديد، لم يتبق إلا لون من صفرة عائمة في الوجه، وثقل جاثم على العينين، وفي أواسط الأضلع .. بعضٌ من جراح!
[ وجوهٌ للـ .. إعارة ! ]
حين لذتُ بالغربة بضع ليالٍ خلت، وغيرتُ خرائط عينيَّ، وتركتُ صندوق ذاكرتي في غرفتي المأهولة بالحُزن، وقفلتها بمفتاح النسيان [ المؤقت ]، وفي خضم حديث جذل مع مدير الفندق، ريثما تُعد غرفة ترميمي، قلت له: أإيطالي أنتَ يا أنتونيو؟ . فأجاب مبتسماً: كلا، أنا إنجليزي من أصل برتغالي، ماذا عنك: تبدو إيطالياً أو إسبانياً؟ رددت البسمة إليه وقلت: كلا ابداً، عُمانيٌّ أنا [ ولم أجد في خلدِي أصلاً أنتمي إليه .. غير الحُزن! ].
تحدثنا ضاحكين لبرهة، وختم قوله ساخراً: لا تأخذ معك بطاقة ائتمان إلى السوق، وانتبه من النساء! وكان يلمز زميلته الموظفة في الفندق، ضحكنا قليلا، وصمتنا أكثر، ثم جاءت بطاقات صعودي إلى مستودع وجهي، وجهي الذي استعرتُه لتنساني، وأتناساك.
الوجوه اقنعة، قابلة للإعارة والاستعارة، ومقياس دفء القلب، أبرع من يستطيع تفصيل مقاسات قناع وجه ملائم، الحب له قناع مسوم، وللحزن قناع يشبهه كثيراً، ولكنه مقلوب!
فأي وجه تراني استعرتُ، يوم هربتَ مني فاختفيت، وفررتُ إليك ولم أجدك! أي وجه تراني استعرتُ يوم غادرت محطاتك، لأسافر في أي قطار يحمل كرسياً شاغراً لجراحي! ومشحوناً بكل شيء .. إلا منك!
تشارك الليل ولبسي لون الظلام، لم يخالفهما .. إلا وجهي .. وأصابعي!
[ أنا .. قيد الصيانة ]
تجولتُ هناك كثيراً، في الشوارع، في الأزقة، في الأرصفة، وملأتُ عينيَّ من وجوه المارة، علهم يحجبون عن قلبي وجهك، كانوا يرونني وكاني كائن من خارج حدود إلفهم، وكنتُ أراهم وكأني أعرفهم جميعاً !
لا تخشَ عليَّ ولا تقلق، أستطيع تدبر صيانتي بنفسي في غيابك، أو حتى يمكنني الاستعانة بصديق قديم، وصديق آخر جديد، يفتح ذراعيه لأجلي، إن كانت ذراعاك قد قصرتا عن تدفئتي، وطالتا في تجميدي!
لا تبتئس، إن رايتني مكسوراً يوماً، ولم تحرك أصابعك لشفائي، فقلبي أنا الآن .. تحت الترميم !
،
::
::